قبل اللقاء المرتقب بيوم واحد.. صحفي بريطاني يكشف عن خلافات عميقة بين أردوغان وبوتين بشأن إدلب
كشف الصحفي والكاتب البريطاني “ديفيد هيرست” في مقال له على موقع “ميدل إيست آي”، عن تعمق الفجوة بين روسيا وتركيا بشأن الأوضاع في محافظة إدلب، والتصعيد الذي جرى بين الطرفين في الآونة الأخيرة.
وأشار الكاتب إلى أن العلاقة الحميمة التي بنيت على المصالح المشتركة بين البلدين قد أوشكت على النهاية، مضيفاً أن علاقة أردوغان وبوتين لا تبدو جيدة بعد التصعيد الأخير في إدلب.
وتطرق “هيرست” إلى الحديث عن العلاقة بين روسيا وتركيا خلال الفترة الماضية وما طرأ عليها من تحولات، وصولاً إلى ما وصفه بنهاية الغرام بين بوتين وأردوغان.
وحسب رؤية الكاتب فإن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” يأمل أن يتفهم الروس دوافعه التي جعلته يتحرك بقوة بشأن إدلب، خاصة بعد خسارة حزبه للانتخابات البلدية في اسطنبول وأنقرة، وانشقاق بعض الشخصيات المؤثرة عن الحزب.
وأوضح “هيرست” أن أردوغان يريد منع حدوث موجة لجوء جديدة من الشمال السوري إلى الأراضي التركية، الأمر الذي سيجعل الأوضاع تتفاقم بالنسبة لحزبه، إذ أن المعارضين له يتربصون به، ويستخدمون اللاجئين السوريين كورقة ضغط قوية ضده.
وأكد أن ما فعلته القوات التركية في الشمال السوري خلال تدخلها الأخير قد أبهر روسيا، وذكر الجميع بالتحذيرات التي أطلقتها إسرائيل في وقت سابق حول تنامي قوة تركيا العسكرية بشكل متسارع.
وأضاف الكاتب أن موسكو كانت تحقق أهدافها في سوريا بسهولة، وذلك يعود لعدم وجود قوة عسكرية أخرى على الأرض تنافس روسيا، وتشكل خطراً على طائراتها الحربية.
ورأى أن العالم سيشهد ولادة نظام جديد أسماه بالنظام “المتعدد الأطراف”، يكون خلفاً للنظام الغربي الحالي، مضيفاً أن النظام الجديد سيكون هشاً كما هو الحال مع المنظومة الحالية.
واستهل الكاتب مقاله بالحديث عن مجازفة أردوغان بشأن إرسال قواته إلى إدلب، وعكف بوتين عن التصعيد ضد تركيا شمال سوريا من أجل أن يحافظ على المكتسبات التي حققتها روسيا على الأراضي السورية حتى اللحظة.
اقرأ أيضاً: بعد مقتل جندي تركي على يد قوات الأسد.. تركيا تدعم عملاً عسكرياً لاستعادة سراقب مجدداً
وكمثال على ذلك استشهد الكاتب بمقال للمحلل الروسي “سيرجي كاراغانوف” قال فيه: “من الإنجازات الرائعة التي حققتها روسيا في سوريا خلال 10 سنوات ماضية، منع تواصل التمدد الغربي في المنطقة، وإقامة سد لتمدد الثورات التي دمرت دول بأكملها، وكسب موقع تجاري هام شرق المتوسط، والتحالف مع الصين، فضلاً عن صعود النفوذ الروسي مقابل انكفاء نفوذ الأوروبيين.
ولفت الكاتب إلى أن السياسيين الروس يرون أنه لا رغبة لبلادهم ولا حتى لتركيا في نشوب أي نزاع مباشر بينهما على الأراضي السورية، مشيراً إلى أن قيادة الجيش الروسي تعترف أنه لا بد من توجيه رسائل إلى تركيا بأنها تمادت كثيراً في الشمال السوري.
بداية التقارب التركي الروسي
وحول العلاقة بين الرئيسين الروسي “فلاديمير بوتين” ونظيره التركي “رجب طيب أردوغان”، قال الكاتب أن العلاقة المزدهرة بين الرئيسين بدأت عقب محاولة الانقلاب الفاشلة التي حدثت في تركيا عام 2016، وتقديم روسيا معلومات استخباراتية هامة لأنقرة، في حين لعبت واشنطن دوراً سلبياً آنذاك.
ويوضح “هيرست” أن المحاولة الانقلابية الفاشلة كانت نقطة التحول في العلاقات الروسية التركية، وأدت إلى تقارب غير مسبوق بين البلدين، بينما بدأت العلاقة بالتأزم بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية على خلفية الدور الأمريكي في دعم جماعة “غولن” المتهمة بالتخطيط للإنقلاب.
ويشير الكاتب أن أردوغان في تلك المرحلة اتخذ إجراءات توضح مدى التقارب مع بوتين، إذ قام الرئيس التركي بفتح خط أنابيب “تركستريم” لنقل الغاز الطبيعي، بالإضافة لصفقة شراء منظومة الدفاع الجوي “إس 400”.
وأكد أن تقرب أردوغان من بوتين في تلك المرحلة جعل تركيا تتحرك بحرية أكثر في الداخل السوري، وهذا ما لم تكن تتمتع به أنقرة حين كانت تسير وفق الرؤية الغربية للأوضاع في سوريا.
واستدرك الكاتب بالقول: “على الرغم من العلاقة الجيدة بين تركيا وروسيا إلا أن أنقرة تجد نفسها بين الفينة والأخرى مضطرة لإجراء مقايضات مرهقة ومتعبة في الداخل السوري، مضيفاً أن تركيا تخلت في وقت سابق عن حليفها “السوريون” شرق مدينة حلب، مقابل تخلي روسيا عن الأكراد شمال المدينة.
وأشار إلى أن العلاقة بين الطرفين غالباً ما أفرزت موجات نزوح جديدة، حيث يزداد عدد النازحين السوريين مع كل تقدم تحققه قوات نظام الأسد حتى وصل عدد النازحين في محافظة إدلب إلى ما يقارب 4 مليون نازح تم حشرهم في مساحة ضيقة جداً.
وأوضح أن قرابة مليون شخص تمكن من العبور إلى الأراضي التركية في الفترة الماضية، في أكبر موجة لجوء منذ بداية الثورة السورية، مبدياً استغرابه من عدم اكتراث دول الاتحاد الأوروبي حتى الآن لحدوث كارثة إنسانية من هذا النوع.
ولفت إلى أن الرئيس التركي الآن في ورطة بعد أن وصل عدد اللاجئين داخل تركيا إلى أكثر من 3.7 مليون نسمة، وأنه لا يريد أن يتدفق عدد أكبر من السوريين بسبب الأوضاع في إدلب، نظراً لاستخدام المعارضة التركية ورقة اللاجئين السوريين للضغط عليه وعلى حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.
وأكد أن هذا الأمر دفع الرئيس التركي لإرسال جنوده إلى إدلب، لأن بلاده غير قادرة على تحمل موجة لجوء كبيرة، موضحاً أن “أردوغان” بدأ يقرأ التصعيد الأخير ضد المدنيين في إدلب على أنه تحرك موجه ضده شخصياً.
اقرأ أيضاً: ممثلة تركية شهيرة تقسو على شبيح أسدي بعد سخريته من مقتل الجنود الأتراك في إدلب
وعلق على نتائج استهداف الطائرات المسيرة لقوات نظام الأسد بالقول: “إن ما حققته الطائرات التركية أبهر الروس وجعلهم في حيرة من أمرهم، حيث أن روسيا لم تكن على علم بالقوة العسكرية التركية المتنامية”.
وأشار إلى تمكن تركيا من تدمير مواقع استراتيجية تابعة للنظام السوري منها مطارات عسكرية، ومستودعات أسلحة، فضلاً عن دعم القوات التركية للمعارضة السورية، ومساهمة ذلك بتقدم المعارضة على حساب قوات نظام الأسد في إدلب.
نهاية الغرام بين بوتين وأردوغان
وأوضح الكاتب أن ما حققه تركيا خلال أسبوع واحد أدى إلى بداية مرحلة جديدة من العلاقات بين روسيا وتركيا يمكن تلخيصها بعبارة “نهاية الغرام بين بوتين وأردوغان”.
وكشف أن المكالمة الهاتفية الأخيرة التي جرت بين أردوغان وبوتين كانت ساخنة جداً، وشهدت مباراة في الصياح بينهما، حيث أراد كل طرف فرض وجهة نظره.
وأضاف أن أردوغان طلب من بوتين خلال المكالمة الهاتفية أن يبتعد عن طريق القوات التركية لتواجه قوات الأسد وجهاً لوجه، بينما رد بوتين على أردوغان بقوله إن على تركيا أن تخرج من مناطق درع الفرات وغصن الزيتون.
اقرأ أيضاً: لافروف: الحملة العسكرية مستمرة على إدلب ولن نوقفها من أجل أوروبا!
ولفت إلى أن المكالمة الهاتفية بين الرئيسين لم تشهد هذه اللهجة من قبل على الإطلاق، وأن لهجتهما هذه كانا يستخدمانها عند حديثهما مع الدول الغربية.
وأكد استحالة توقع ما قد تسفر عنه القمة بين الرئيسين يوم 5 آذار /مارس الحالي، بالرغم من التصريحات الرسمية الصادرة عن مسؤولي البلدين والتي تعبر عن رغبتهما بوقف إطلاق النار في إدلب، إلا أن الواقع على الأرض مغاير تماماً، فالمواجهات ما زالت على أشدها هناك.
وختم مقاله بالقول: “إن فوز أردوغان في الجولة الحالية سيورث بلاده موقفاً قوياً ليس على حساب روسيا فقط، وإنما عالمياً وإقليمياً”.
اقرأ أيضاً: القمة بين أردوغان وبوتين ستحسم مصير إدلب.. وتركيا سترفع سقف مطالبها!
وأضاف أن تحقيق الرئيس التركي للانتصار سواء عسكرياً أو عبر المفاوضات سيكون له أثر كبير في تعزيز الدور التركي على الأراضي السورية، وسيكون له تأثير على موازين القوة في العالم العربي “السني” في مواجهة تنامي دور إيران في المنطقة.
وتوقع الكاتب أن ينتج عن الخلافات الأخيرة بين تركيا وروسيا نظام عالمي جديد وصفه بأنه سيكون هشاً كحال المنظومة الغربية الحالية القائمة.