أخر الأخبار

كيف تحولت أسماء الأسد من “زهرة الصحراء” إلى “سيدة الحديد” في سوريا

أصبحت “أسماء الأسد” نجمة منذ اللحظة التي سُلط فيها الضوء عليها لأول مرة وكانت تظهر على أغلفة المجلات، وقد تم تقديمها كرمز إنساني.

ثم جاءت الحـ.ـرب التي تدور رحاها في سوريا منذ عام 2011 وتغيرت صورة بشار الدولية بين عشية وضحاها إلى صورة طـ.ـاغية يقـ.ـتل شعبه ويُنظر إلى زوجته الآن على أنها منفصلة تماماً عن الواقع مشغولة بإنفاق المال وشعبها مهـ.ـجر.

من بين الأشياء التي كشفت عنها المشاحنات عبر الإنترنت، أن “أسماء الأسد” هي من بين الشخصيات الرائدة في هذا الصراع المستمر على السلطة.

إن المرأة التي وصفت حتى عقد من الزمان بأنها “زهرة الصحراء” هي شخص لا يرحم ولا يتردد في القضاء على أي شيء وأي شخص يقف في طريق جهودها لإعادة تشكيل النخبة السورية.

كما يبدو أنها قد تنجح فيما فشـ.ـلت فيه إسرائيل وهو في الحد من نفوذ إيران على سوريا.

لفهم صعود أسماء الأسد يجب على المرء أن يكون على دراية بتفاصيل ما وراء الكواليس للنظام السوري.

لسنوات، كان عهد الأسد يعتمد على خلق التوازنات: بين روسيا وإيران، إذ تتدخل القوتان الدوليتان في شؤون سوريا، وما بين العلويين وهي الأقلية الشيعية التي حكمت البلاد، وما بين المسلمين السنة الذين يشكلون غالبية السكان، وما بين عائلة الأسد التي تحكم سوريا وعائلة مخلوف التي تمول الأولى.

أدت الفوضى المستمرة في الحـ.ـرب الأهلية إلى خلط الأوراق في جميع هذه الجبهات ولأسماء علاقة بهذا.

بدأ التحول في 6 شباط / فبراير 2016 عندما تـ.ـوفيت والدة بشار الأسد “أنيسة مخلوف” عن عمر يناهز 86 عاماً، على الرغم من أنها نادراً ما ظهرت علناً، كانت مخلوف تعتبر أقوى امرأة في سوريا والشخص الأكثر نفوذاً.

بنى محمد شقيق أنيسة الأصغر الذي يبلغ من العمر الآن 88 عاماً إمبراطورية تجارية في سوريا.

وتولى ابنه الأكبر رامي ابن خال بشار منصب رئيس الشركة العائلية في سوريا حيث تقدر ثروته الشخصية بنحو 6 مليارات دولار.

ولسنوات كان رامي مخلوف من المقربين وشريك بشار الأسد وكان يُعتبر “وزير المالية الحقيقي” في سوريا.

كان “رامي مخلوف” على رأس قائمة الأفراد الذين فرضت عليهم الحكومة الأمريكية عقـ.ـوبات عندما بدأت الحـ.ـرب في سوريا، وزودت عائلة “مخلوف” كبار ضباط روسيا بعشرات الملايين من الدولارات مقابل تدخل روسيا لإبقاء الرئيس السوري.

ومع ذلك تبين أن زيادة التدخل الروسي في سوريا سيف ذو حدين، منذ دخول جيشها البلاد إذ تعمل روسيا على جبـ.ـهتين: تقويض بشار الأسد، لأنه مرتبط بإيران وتقليل قبضة “مخلوف” على المواقع الرئيسية.

على سبيل المثال أجبرت روسيا الأسد على إجراء تغييرات هيكلية في الجيش السوري مضيفة إليها ميليـ.ـشيا قوات النمر.

كان الهدف من ذلك وضع سيطرة “رامي مخلوف” على قوة عسكرية خاصة يمكن أن تقع في أيدي إيران.

في الوقت نفسه تزعم مصادر في روسيا أن الرئيس “فلاديمير بوتين” يهدف إلى الإطاحة بالأسد من أجل تحقيق الاستقرار في سوريا داخلياً وتقليل وجود الميلـ.ـيشيات الإيرانية.

اقرأ أيضاً: الغارديان: كورونا منح بشار الأسد فرصة جديدة للطغيان في سوريا..!

في أيلول / سبتمبر وصل تدخل روسيا في شؤون العائلتين إلى نقطة الغليان وطلبت روسيا من الأسد أن يسدد ديونه السابقة البالغة 3 مليارات دولار، مما شجعه على الحصول على المال من مخلوف.

رفض رامي وكان رد الأسد تحـ.ـطيم العلاقة وحوكم “رامي مخلوف” بتهمة التهـ.ـرب من الضـ.ـرائب وصودرت معظم ممتلكاته وتم اعتـ.ـقال موظفيه واضطر هو نفسه إلى الاختفاء.

لكن أسماء الأسد هي من كانت وراء هذا والتي ترأس لجنة مكافحة غسيل الأموال في سوريا.

كـ.ـرهت أسماء ابن خال زوجها رامي منذ اللحظة التي دخلت فيها القصر الرئاسي وبصفتها عضواً في عائلة الأخرس وهي عائلة سنية من مدينة حمص في وسط سوريا استاءت أسماء من عائلة مخلوف العلوية التي تمكنت من إبعاد جميع العائلات الأخرى عن المواقع القوية في البلاد.

ووفقاً لمصادر سورية، أقنعت أسماء زوجها بأن الانتفـ.ـاضة الشعبية التي أشعلت الحـ.ـرب كانت بسبب الفسـ.ـاد الواسع النطاق الذي تلوثت فيه أعمال ابن خاله الواسعة ودفع هذا بشار إلى مطالبة رامي بأن يعلن أنه سيتبرع ببعض ثروته للمحتاجين، ولم يتم الوفاء بهذا الوعد وفشـ.ـل في إعادة السلام.

لكن ولإرضاء الرئيس وزوجته حول رامي المزيد من موارده لتمويل معـ.ـركة النظام من أجل البقاء.

بالنسبة إلى أسماء الأسد كانت وفـ.ـاة أنيسة مخلوف في عام 2016، فرصة لإزالة فوضى المخلوف واستبدالها بنخبة اقتصادية جديدة تتكون من أفراد من عائلتها (الأخرس) وعائلة خالها (الدباغ).

لتغيير ميزان القوى، تواجه أسماء تحدياً صعباً في الاستيلاء على جميع أصول رامي مخلوف بما في ذلك تلك التي تمكن من تهـ.ـريبها خارج البلاد خلال العقد الماضي.

وبحسب ما ورد قامت مـ.ـافيا مخلوف بتهـ.ـريب أصول تبلغ قيمتها 120 مليار دولار وتشمل هذه الأصول مشاريع وشركات في دبي وماليزيا وجنوب إفريقيا ولبنان والنمسا.

تعمل أسماء أيضاً على إنشاء بدائل لإمبراطورية مخلوف التجارية، وفي العام الماضي على سبيل المثال، أمرت بإنشاء شركة اتصالات جديدة إماتل والتي هي بالفعل في طريقها لتصبح ثالث أكبر مشغل للهواتف الخلوية في سوريا.

إن تركيز أسماء على صناعة الاتصالات ليس مصادفة: فقد بلغ صافي الربح من شركات الهاتف الخلوي لمخلوف – وهم سيريتل موبايل تيليكوم ومجموعة إم تي إن المحدودة- حوالي 60 مليون دولار في عام 2019.

علاوة على ذلك، فإن كسر احتكار مخلوف للاتصالات في البلاد يرسل إشارة لإيران بأن نفوذها على سوريا سيختفي.

في عام 2017 وقعت شركة الاتصالات الإيرانية MCI Group اتفاقية لدخول السوق السورية كمشغل للهواتف الخلوية.

ولكن مع تأسيس شركة إماتل تم إبطال الاتفاقية وكان العذر الرسمي هو العقـ.ـوبات الدولية على طهران.

كانت هذه أيضاً فرصة لأسماء لاسترضاء روسيا التي كانت تخشى منح إيران موطئ قدم في سوق الاتصالات السورية.

اقرأ أيضاً: روسيا بدون الأسد.. خبراء روس يكشفون إمكانية حدوث تغيرات جذرية في النظام السياسي السوري

لم يكن ذلك كافياً لأسماء وفي آب/ أغسطس 2019 صادرت جميع أصول مؤسسة مخلوف المملوكة لجمعية البستان الخيرية للاشتباه في الفسـ.ـاد وتمويل الإرهـ.ـاب.

بعد حوالي شهر جاءت مطالب الروس للحصول على النقد وبمجرد ادّعاء مخلوف أنه لا يستطيع تأمين المبلغ المطلوب، ظهر في وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لابنه الذي يستعرض سياراتهم الفاخرة وقصورهم في دبي.

وسمح الغـ.ـضب الشعبي الذي تلا ذلك لأسماء بالتحقيق في شركات مخلوف والمطالبة برؤية كتبهم مدعية أنهم زوروا تقاريرهم المالية.

جاءت الضـ.ـربة الأخيرة قبل نحو شهر عندما أمرت وزارة الاتصالات والتكنولوجيا السورية مخلوف بدفع 185 مليون دولار بسبب مخـ.ـالفات في التراخيص المجددة لشركتيه وفشـ.ـلهما في دفع إتاوات الدولة.

جاءت هذه الخطوة مع موجة من الاعتـ.ـقالات بحق المديرين التنفيذيين في الشركتين وتمكن مخلوف نفسه من تفادي القـ.ـبض عليه ويبدو أنه وجد ملجأ في معـ.ـقل عائلته في المنطقة الساحلية السورية.

واتهـ.ـم الرئيس السوري بأنه ضلل من قبل زملائه المقربين وألمح إلى أنه لم يكن نـ.ـزاعاً مالياً بل هو اضـ.ـطهاد متعلق بالطائفة، ملمحاً إلى أصول أسماء السنية.

لكسب المعـ.ـركة للسيطرة على سوريا كان على أسماء قبل أي شيء آخر إصلاح صورتها العامة.

حصلت جهود إعادة تسمية أسماء في آب / أغسطس 2018 عندما أعلن النظام رسمياً، أن “السيدة الأولى” تم تشخيصها بسـ.ـرطان الثدي وبدأت العـ.ـلاج في أحد مستشفيات دمشق العسكرية .

بعد ذلك بشهرين نشر النظام صوراً لأسماء نحيفة وباهتة من العلاج الكيميائي وترتدي الحجاب لإخفاء تساقط الشعر.

خلال أشهر عـ.ـلاجها الطويلة واصلت أسماء نشاطها الخيري وتم توثيقها وهي تزور مـ.ـرضى سـ.ـرطان الأطفال والأشخاص المـصـ.ـابين في الحـ.ـرب.

وبعد عام من الإعلان الأول كشفت أسماء في مقابلة مع التلفزيون المحلي، أنها تعافت تماماً من السـ.ـرطان.

قبل حوالي شهر سرب مخلوف للصحافة أنه بينما كان 83٪ من السوريين يعيشون في فـ.ـقر، أنفق رئيسهم حوالي 30 مليون دولار على لوحة ديفيد هوكني التي اشتراها كهدية لزوجته.

بعد عدة أيام أظهر مخلوف في الصحافة السورية كيف أن شركة مملوكة لأصحاب أسماء تستفيد من أفـ.ـقر المواطنين في البلاد ووفقاً للتقارير، فإن شركة تكامل المسؤولة عن “البطاقة الذكية” تجمع عشرات الملايين من الدولارات سنوياً من المحتاجين الذين يستخدمون بطاقاتها لشراء الأرز والسكر والوقود.

كان القصد من هذين التسريبين تقويض الدعم لبشار الأسد بين أهم قاعدته، العلويين.

وعندما يشير مخلوف إلى الفـ.ـقراء فهو يتحدث عن الفـ.ـقراء العلويين أولئك الذين “باعهم الرئيس” لعائلة زوجته السنية.

وعندما ينتـ.ـقد الرئيس لأنه سمح لزوجته بالقيادة فإنه يرسل رسالة إلى أعضاء الطائفة العلوية بأن بشار قد خـ.ـان من أوصلوا والده إلى السلطة وبدون بقاء هؤلاء الأشخاص في منصبهم وبدون علاقاتهم مع كبار الضباط الروس لما نجا بشار من المعارضة.

لم يكن رامي مخلوف ليتمكن من تسريب المعلومات التي لديه من مخبئه دون مساعدة من وسائل الإعلام الروسية وأجهزة المخابرات.

ولا يجب الاستخفاف بالمساعدات الروسية وهذا مؤشر واضح على أن الكرملين مستاء من دائرة بشار الأسد المقربة.

اقرأ أيضاً: الأسد على المحك.. روسيا وأمريكا تبحثان الملف السوري.. والاتحاد الأوروبي يعلن عن مؤتمر لمناقشة الحل السياسي في سوريا

بالنسبة للروس، لا يمكن أن يكون التوقيت أفضل من الوقت الذي يختلف فيه أفراد أسرة الأسد.

تعرضت كل من روسيا وإيران لضـ.ـربة خطـ.ـيرة جراء الفيروس التاجي (Covid-19)، لكن الروس يقدرون أن إيران ستواجه المزيد من المشاكل بعد التعافي منه وسيتعين عليها التركيز على شؤونها الداخلية وتخفيف استثمار الموارد في سوريا.

وسيسمح الاعتماد الكامل لكل من مخلوف والأسد على روسيا بإعادة تصميم النظام المحلي بالطريقة التي يراها الكرملين مناسبة، وفقاً لمصالحه الخاصة.

ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أن حكم الأسد عرف منذ فترة طويلة الاضطـ.ـرابات والتهـ.ـديدات الداخلية والخارجية.

أشهرها، في عام 1984 عندما حاول رفعت الأسد استخدام النـ.ـوبة القلبية لشقيقه حافظ كفرصة للإطاحة به.

وقد فشـ.ـلت هذه المحاولة وبقي حافظ في السلطة لسنوات عديدة أخرى قبل أن يحل محله ابنه وكان هذا مثالاً آخر على الدور الهام الذي تلعبه المرأة في حكم سلالة الأسد فقد كانت والدة حافظ ورفعت “ناعسة الأسد” هي التي أقنعت الاثنين بحل الأمر سلمياً.

من ناحية أخرى ساعدت زوجة حافظ أنيسة في تأمين حكم زوجها من خلال تعزيز وضع عائلتها والتي مهدت بدورها طريق بشار إلى العرش.

الآن، تعمل أسماء الأسد على تعزيز مكانة زوجها وخلق إستراتيجية طويلة الأمد وبدت هذه الإستراتيجية أوضح في مقابلة أجرتها العام الماضي عندما ذكرت فيها أن ابنها الأكبر حافظ البالغ من العمر 19 عاماً مهتم جداً بالسياسة.

هذا بالطبع يدل على أنها تحضره ليخلف والده.

ولكي يحدث ذلك، يجب على أسماء أن تضع أسرتها في مواقع قوية.

تعرف أسماء أن الجهود العالمية لإعادة الاقتصاد السوري إلى أقدامه مرة أخرى بعد الحـ.ـرب ستجلب مئات المليارات من الدولارات من المساعدات الدولية وهي تفعل كل ما في وسعها ليضع شركاؤها أيديهم على كل تلك الأموال.

وستحرص أسماء أن لا تقع الأموال في أيدي عائلة مخلوف مهما كان مصدر تلك الأموال.

ترجمة: نداء سوريا          المصدر:  جريدة كالكاليستيك العبرية المملوكة لـ”يديعوت أحرنوت”         

rami fakhori

كاتب صحفي متخصص في كتابة التقارير والأخبار بمختلف أنواعها، حاصل على شهادة دبلوم في الصحافة والإعلام من الأكاديمية السورية الدولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: